فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {سبحانه} جملة اعتراضية وفائدتها بيان بطلان دعوى الظالمين الذين زعموا لله الولد، قال أبو السعود: وفيه من التنزيه البليغ من حيث الاشتقاق من السبح ومن جهة النقل إلى التفعيل التسبيح ومن جهة العدول إلى المصدر ما لا يخفى، والمراد أنزهه تنزيها لائقا به.
2- {كل له قانتون} صيغة جمع العقلاء في قانتون للتغليب أي تغليب العقلاء على غير العقلاء، والتغليب من الفنون المعدودة في محاسن البيان.
3- التعبير عن الكافرين والمكذبين بكلمة أصحاب الجحيم إيذان بأن أولئك المعاندين من المطبوع على قلوبهم، فلا يرجى منهم الرجوع عن الكفر والضلال إلى الإيمان والإذعان.
4- إيراد الهدى معرفا بأل في قوله: {هو الهدى} يفيد قصر الهداية على دين الإسلام، فالإسلام هو الهدى كله، وما عداه فهو هوى وعمى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

والرِّضَا: ضد الغضب، وهو من ذوات الواو لقولهم: الرضوان، والمصدر: رضًا ورِضَاء بالقصر والمد، ورِضْوانًا بكسر الفاء وضمها.
قال القرطبي رحمه الله: رَضِيَ يَرْضَى رِضًا ورِضاءً ورِضْوانًا ورُضوانًا ومَرْضاة، وهو من ذوات الواو ويقال في التثنية: رِضَوان، وحكى الكسائي رحمه الله: رِضيان، وحكى رضاء ممدود، وكأنه مصدر رَاضَى يُرَاضِي مُرَاضَاعةً ورِضَاءً.
وقد يتضمّن معنى عَطَف فيتعدى بعلى؛ قال: الوافر:
إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ

والملّة في الأصل: الطريقة، يقال: طريق مُملٌّن أي: أثَّر فيه المشي، ويعبر بها عن الشريعة تشبيهًا بالطريقة.
وقيل: بل اشتقت من أَمْلَلْتُ؛ لأن الشريعة فيها مَن يُمْلي ويُمْلَى عليه.
قوله: {تَتَّبعَ} منصوب بأن مضمرة بعد {حتى} قاله الخليل، وذلك أن {حتى} خافضة بالاسم لقوله عز وجل: {حتى مَطْلَعِ الفجر} [القدر: 5] وما يعمل في الاسم لايعمل في الفعل ألبتة وما يخفض اسمًا لا ينصب شيئًا.
وقال النَّحاس: {تَتَّبع} منصوب ب {حتى}، و{حتى} بدل من أن.
قوله تعالى: {هو} يجوز في {هو} أن يكون فصلًا أو مبتدأ، وما بعده خبره، ولا يجوز أن يكون بدلًا من {هُدَى اللهِ} لمجيئه بصيغة الرفع.
وأجاز أبو البقاء رحمه الله تعالى فيه أن يكون توكيدًا لاسم {إن}، وهذا لا يجوز فإن المضمر لا يؤكّد المظهر.
قوله: {وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ} هذه تسمى اللام الموطِّئَة للقسم، وعلامتها أن تقع قبل أدوات الشرط، وأكثر مجيئها مع إن وقد تأتي مع غيرها نحو: {لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ} [آل عمران: 81]، {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} {مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ} وحذف جواب الشَّرْط، ولو أجيب الشرط لوجبت الفاء وقد تحذف هذه اللام ويعمل بمقتضاها، فيجاب القسم نحو قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [المائدة: 73].
والأهواء جمع هوى، كما تقول: جمل وأجمال، ولما كانت مختلفة جمعت، ولو حمل على أفراد الملة لقال: هواهم.
قوله: {مِن العِلْمِ} في محلّ نصب على الحال من فاعل {جَاءَكَ} و{مِن} للتبعيض، أي جاءك حال كونه بعَ العلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال ابن عاشور:

وقد اشتملت جملة {ولئن اتبعت أهواءهم} إلى آخرها على تحذير من الطمع في استدناء اليهود أو النصارى بشيء من استرضائهم طمعًا في إسلامهم بتألف قلوبهم فأكد ذلك التحذير بعشرة مؤكدات وهي القسم المدلول عليه باللام الموطئة للقسم. وتأكيد جملة الجزاء بإنَّ وبلام الابتداء في خبرها. واسميةُ جملة الجزاء وهي {مَالَك من الله من ولي ولا نصير}. وتأكيدُ النفي بِمنْ في قوله: {من ولي}. والاجمالُ ثم التفصيل بذكر اسم الموصول وتبيينه بقوله: {من العِلم}. وجعل الذي جاء أي أنزل إليه هو العلم كله لعدم الاعتداد بغيره لنقصانه. وتأكيدُ {من ولي} بعطف {ولا نصير} الذي هو آيل إلى معناه وإن اختلف مفهومه، فهو كالتأكيد بالمرادف. اهـ.

.تفسير الآية رقم (121):

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفصح بمن يستحق النذارة منهم بتغيير الدين بأهوائهم فأفهم من يستحق البشارة تلاه بالإفصاح بالقسمين: من يستحق البشارة منهم، ومن يستحق النذارة، فقال: {الذين آتيناهم الكتاب} أي التوراة والإنجيل {يتلونه حق تلاوته} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يتبعونه حق اتباعه، من تلا فلان فلانًا إذا تبعه- رواه عنه أبو عبيد.
وهي ناظرة إلى قوله قريبًا: {وهم يتلون الكتاب} أي لا حق تلاوته بل تلاوة ليس فيها تدبّر لمعانيه ولا عمل بما فيه؛ هذا إذا جعلناه حالًا، وإن جعلناه خبرًا وقوله: {أولئك} أي العظيمو الرتبة خاصة {يؤمنون به} خبرًا ثانيًا فالمعنى أن من لم يؤمن بالكتاب حق الإيمان من غير تحريف له، لا إخفاء لشيء فيه لما انتفى عنهم المقصود بالذات وهو الانتفاع بالكتاب المؤتى انتفى عنهم أصل الإيتاء لأنه تجرد عن الفائدة؛ والضمير في {به} يصح أن يكون للهدى.
قال الحرالي: وحقية الأمر هي وفاؤه إلى غايته، والإحاطة به إلى جماع حدوده حتى لا يسقط منه شيء ولا يقصر فيه غاية إشعارًا باشتمال الكتاب على أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما وصف المؤمنين به ولم يبين ما لهم أتبعه بالكافرين فقال: {ومن يكفر به} أي بالكتاب، ثم حصر الخسر فيهم بقوله: {فأولئك} أي البعداء البغضاء {هم} خاصة {الخاسرون} فافهم أن المؤمنين به هم الرابحون؛ ومن الوصف بالخسار يعلم أنهم كانوا على حق وشيء يمكن الربح فيه بتكملة الإيمان بكتابهم بالإيمان بالكتاب الخاتم فضيعوه فخسروا، فإنه لا يخسر إلا من له أصل مال متهيئ للنماء والربح- والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب} قال ابن عباس: نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب وكانوا أربعين رجلًا اثنان وثلاثون رجلًا من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا الرهب، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب مثل عبدالله بن سلام وأصحابه. وقيل: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وقيل: هم مؤمنون عامة {يتلونه حق تلاوته} أي يقرءونه كما أنزل لا يغيرونه ولا يحرّفونه ولا يبدلون ما فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: معناه يتبعونه حق اتباعه فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويقفون عنده ويكلون علمه إلى الله تعالى. وقيل: معناه تدبروه حق تدبره وتفكروا في معانيه وحقائقه وأسراره {أولئك} يعني الذين يتلونه حق تلاوته {يؤمنون به} أي يصدقون به. فإن قلنا: إن الآية في أهل الكتاب فيكون المعنى إن المؤمن بالتوراة الذي يتلوها حق تلاوتها هو المؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن في التوراة نعته وصفته. وإن قلنا: إنها نزلت في المؤمنين عامة فظاهر {ومن يكفر به} أي يجحد ما فيه من فرائض الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم {فأولئك هم الخاسرون} أي خسروا أنفسهم حيث استبدلوا الكفر بالإيمان. اهـ.
سؤال: ما المراد ب {الذين آتيناهم الكتاب}؟
الجواب كما ذكره ابن عطية: وقال قتادة: المراد ب {الذين} في هذا الموضع من أسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، و{الكتاب} على هذا التأويل القرآن، وقال ابن زيد: المراد من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، و{الكتاب} على هذا التأويل التوراة، و{آتيناهم} معناه أعطيناهم، وقال قوم: هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة، فأثنى الله عليهم، ويحتمل أن يراد ب {الذين} العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب، ويكون {الكتاب} اسم الجنس. اهـ.
وقال الفخر الرازى: المراد بقوله: {الذين ءاتيناهم الكتاب} من هم فيه قولان:
القول الأول: أنهم المؤمنون الذين آتاهم الله القرآن واحتجوا عليه من وجوه. أحدها: أن قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} حث وترغيب في تلاوة هذا الكتاب، ومدح على تلك التلاوة، والكتاب الذي هذا شأنه هو القرآن لا التوراة والإنجيل، فإن قراءتهما غير جائزة. وثانيها: أن قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يدل على أن الإيمان مقصود عليهم، ولو كان المراد أهل الكتاب لما كان كذلك. وثالثها: قوله: {وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} والكتاب الذي يليق به هذا الوصف هو القرآن.
القول الثاني: أن المراد بالذين آتاهم الكتاب، هم الذين آمنوا بالرسول من اليهود، والدليل عليه أن الذين تقدم ذكرهم هم أهل الكتاب فلما ذم طريقتهم وحكى عنهم سوء أفعالهم، أتبع ذلك بمدح من ترك طريقتهم، بل تأمل التوراة وترك تحريفها وعرف منها صحة نبوة محمد عليه السلام.
سؤال: ما المراد بقوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}.
الجواب كما ذكره الإمام الفخر:
التلاوة لها معنيان. أحدهما: القراءة. الثاني: الإتباع فعلًا، لأن من اتبع غيره يقال تلاه فعلًا، قال الله تعالى: {والقمر إِذَا تلاها} [الشمس: 2] فالظاهر أنه يقع عليهما جميعًا، ويصح فيهما جميعًا المبالغة لأن التابع لغيره قد يستوفي حق الاتباع فلا يخل بشيء منه، وكذلك التالي يستوفي حق قراءته فلا يخل بما يلزم فيه، والذين تأولوه على القراءة هم الذين اختلفوا على وجوه. فأولها: أنهم تدبروه فعملوا بموجبه حتى تمسكوا بأحكامه من حلال وحرام وغيرهما. وثانيها: أنهم خضعوا عند تلاوته، وخشعوا إذا قرأوا القرآن في صلاتهم وخلواتهم. وثالثها: أنهم عملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وتوقفوا فيما أشكل عليهم منه وفوضوه إلى الله سبحانه. ورابعها: يقرؤنه كما أنزل الله، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يتأولونه على غير الحق. وخامسها: أن تحمل الآية على كل هذه الوجوه لأنها مشتركة في مفهوم واحد، وهو تعظيمها، والانقياد لها لفظًا ومعنى، فوجب حمل اللفظ على هذا القدر المشترك تكثيرًا لفوائد كلام الله تعالى والله أعلم. اهـ.
سؤال: لماذا لم ذكر قوله تعالى: {الذين ءاتيناهم الكتاب} بدون واو العطف مع أن الآية نازلة في حقهم؟
الجواب كما ذكره البقاعي {الذين ءاتيناهم الكتاب}.
اعتراض لبيان حال مؤمني أهل الكتاب بعد ذكر أحوال كفرتهم ولم يعطف تنبيهًا على كمال التباين بين الفريقين والآية نازلة فيهم وهم المقصودون منها. اهـ.
سؤال: ما مرجع الضمير في قوله تعالى: {أولئك يؤمنون به}.
الجواب: في هاء {به} قولان:
أحدهما: أنها تعود على الكتاب، والثاني: على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقيل: يعود على الله تعالى، ويكون التفاتًا أيضًا وخروجًا من ضمير المتكلم المعظم نفسه إلى ضمير الغائب المفرد. قال ابن عطية: ويحتمل عندي أن يعود الضمير على الهدى الذي تقدّم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في الآية، وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هدى الله هو الهدى الذي أعطاه وبعثه به. ثم ذكر له أن المؤمنين التالين لكتاب الله هم المؤمنون بذلك الهدى المقتدون بأنواره. انتهى كلامه، وهو محتمل لما ذكر. لكن الظاهر أن يعود على الكتاب لتتناسب الضمائر ولا تختلف، فيحصل التعقيد في اللفظ، والإلباس في المعنى، لأنه إذا كان جعل الضمائر المتناسبة عائدة على واحد، والمعنى فيها جيد صحيح الإسناد، كان أولى من جعلها متنافرة، ولا نعدل إلى ذلك إلا بصارف عن الوجه الأول، إمّا لفظي، وإمّا معنوي. اهـ.
سؤال: فإن قيل لم جيء قولُه تعالى: {أولئك يؤمنون به} باسم الإشارة في تعريفهم دون الضمير وغيره؟
فالجواب كما ذكره الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
للتنبيه على أن الأوصاف المتقدمة التي استحضروا بواسطتها حتى أشير إليهم باتصافهم بها هي الموجبة لجدارتهم بالحكم المسند لاسم الإشارة على حد {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] فلا شك أن تلاوتهم الكتاب حق تلاوته تثبت لهم أوْحَدِيَّتهم بالإيمان بذلك الكتاب لأن إيمان غيرهم به كالعدم. اهـ.
قوله تعالى: {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} أي: الكاملون في الخسران، حيث بخسوا أنفسهم من عَزِّ الدارين. اهـ.

.قال ابن عرفة:

وفي الآية رحمة وترجّ لكونها لم يذكر فيها إلا من آمن بالكتاب ومن كفر به، ويبقى من كان في زمن الفترة والمجانين والصغار مسكوتا عنهم لم يتناولهم هذا الوعيد. وجاءت الآية مفصولة بغير عطف غير موصولة مع أنهم شرطوا في ذلك اختلاف الجملتين بأن تكون إحداهما طلبية، والأخرى خبرية وكذا الأمر والنهي وهاتان متفقتان في الخبر لكنهما مختلفان. اهـ.